محتويات المقال
أعلنت المديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا عن إعادة افتتاح المتحف الوطني في دمشق يوم الأربعاء الماضي، بعد إغلاق دام لعدة أشهر نتيجة الأوضاع الأمنية المضطربة التي أعقبت الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد. جاء هذا الإجراء كجزء من التدابير الاحترازية لحماية المقتنيات الأثرية الثمينة من السرقة أو النهب خلال فترة عدم الاستقرار.
تحصين المتحف وسط الفوضى
صرح المدير العام للآثار والمتاحف، محمد نظير عوض، لوكالة الصحافة الفرنسية قائلاً: “قمنا بإغلاق أبواب المتحف بإحكام عندما لاحظنا تصاعد التوتر وعدم الاستقرار، وها نحن نعيد افتتاحه بعد التنسيق مع الإدارة الجديدة التي وفرت الحماية اللازمة”.
جاء هذا القرار عقب الأحداث العاصفة التي شهدتها سوريا في 8 ديسمبر/كانون الأول، حيث تمكنت فصائل مسلحة، بقيادة هيئة تحرير الشام، من الوصول إلى مشارف دمشق. أدى الهجوم المباغت إلى فرار الأسد وترك البلاد في حالة من الفوضى الأمنية، حيث تخلى الآلاف من الجنود عن مواقعهم وفر المئات من أفراد الشرطة والحرس، مما ترك المؤسسات الحكومية، بما في ذلك المتحف، دون حماية تذكر.
وأكد عوض أن المتحف الوطني لم يتعرض لأي أضرار أو اعتداءات خلال تلك الفترة الحرجة، مشيراً إلى التعاون المباشر مع هيئة العمليات العسكرية القادمة من الشمال، والتي قامت بإرسال مجموعة من المقاتلين لتولي حماية المتحف والحفاظ على إرثه التاريخي. وأشاد بجهود الحماية التي منعت أي اعتداء على المتحف، رغم الخسائر الكبيرة التي لحقت بمواقع أثرية أخرى مثل تدمر وحلب.
خطوة نحو حماية التراث
شهد المتحف، في يوم إعادة افتتاحه، توافدًا كبيرًا من الزوار، بما في ذلك شبان وشابات تجولوا بين أروقته والتقطوا الصور التذكارية وشاركوا في معرض فني أقيم بهذه المناسبة. كما تجمع أعضاء من جمعية “أصدقاء المتاحف والمواقع الأثرية السورية” أمام المتحف، رافعين شعارات تعبر عن أهمية حماية التراث الثقافي السوري، من بينها: “تراثنا هويتنا” و”معًا لإعادة القطع الأثرية السورية المنهوبة”.
دعا رئيس الجمعية، إياد غانم، المجتمع المحلي والسلطات الجديدة إلى تحمل مسؤولياتهم تجاه حماية هذا التراث الثمين. وقال غانم: “المتحف يحوي قطعًا أثرية يتجاوز عمر بعضها 10 آلاف سنة، وتعاقبت عليها حضارات وثقافات متعددة. على الرغم من مرور أنظمة سياسية مختلفة، بقيت هذه الحضارة شامخة”.
شهادة الحضور والتفاعل
من بين الزوار، كانت شاهندا البارودي، الطالبة في كلية الآثار بجامعة دمشق، التي قررت مشاركة تجربتها مع أصدقائها عبر بث مباشر من داخل المتحف. تحدثت البارودي عن مشاعرها عند دخوله قائلة: “عندما سقط النظام، استحضرت في ذهني مشاهد نهب متحف بغداد بعد سقوط صدام حسين، وخشيت أن يتكرر المشهد هنا”. وأعربت عن ارتياحها بقولها: “بكيت كثيرًا عندما وجدت المتحف سالمًا وخاليًا من الأضرار”.
دور المتحف في استعادة الهوية الثقافية
يعكس إعادة افتتاح المتحف الوطني في دمشق خطوة نحو استعادة الهوية الثقافية لسوريا التي تأثرت بشكل كبير خلال العقود الماضية تحت حكم عائلة الأسد، الذي امتد لما يقرب من 53 عامًا. عانى قطاع الثقافة في تلك الفترة من ركود واضح بسبب الفساد وسوء الإدارة وغياب الدعم الحكومي.
إضافة إلى ذلك، كانت القيود الرقابية الصارمة المفروضة على الفنون والفكر قد أسهمت في تقليص الحراك الثقافي والفني في البلاد. ومع ذلك، فإن إعادة فتح المتحف تعيد الأمل في استعادة التراث الثقافي السوري واستثماره كجزء أساسي من عملية التعافي الوطني.
آفاق المستقبل
يمثل المتحف الوطني في دمشق رمزًا للصمود الثقافي والحضاري، وهو أحد أكبر المكاسب التي تمكنت سوريا من الحفاظ عليها رغم ما شهدته من دمار. ومع استمرار الجهود لحماية المواقع الأثرية الأخرى واستعادة القطع المنهوبة، يمكن للمتحف أن يكون نقطة انطلاق نحو تعزيز دور الثقافة في بناء مستقبل أكثر إشراقًا.
تاريخ المتحف الوطني في دمشق
تأسس المتحف الوطني في دمشق عام 1919، ويُعتبر من أهم المتاحف في المنطقة العربية. يضم المتحف مجموعة واسعة من القطع الأثرية التي تعكس تاريخ سوريا الغني والمتنوع، بدءًا من عصور ما قبل التاريخ وصولًا إلى الفترات الإسلامية والحديثة.
يقع المتحف في منطقة البرامكة على ضفاف نهر بردى، ويتميز بواجهة مستوحاة من قصر الحير الغربي، الذي يعود تاريخه إلى العصر الأموي. تتوزع مقتنيات المتحف على عدة أقسام، تشمل:
- قسم الآثار السورية القديمة: يعرض هذا القسم مجموعة من القطع التي تعود إلى العصور الحجرية والبرونزية والحديدية، بما في ذلك أدوات حجرية وتماثيل ونقوش.
- قسم الآثار الكلاسيكية: يحتوي على مقتنيات من الفترات اليونانية والرومانية والبيزنطية، مثل التماثيل والفسيفساء والعملات.
- قسم الفن الإسلامي: يعرض هذا القسم مجموعة من القطع التي تمثل الفن الإسلامي في سوريا، بما في ذلك المخطوطات والزخارف والأواني الخزفية.
- قسم الفن الحديث والمعاصر: يضم أعمالًا فنية لفنانين سوريين معاصرين، تعكس التطور الفني في البلاد.